الرؤية الجمالية للخطاب السردي المغاربي رواية "مدينة الرياح" للكاتب الموريتاني موسى ولد إبنو "أنموذجا" أ: عبد اللطيف حني جامعة - مستغانم-

Transkript

1 الرؤية الجمالية للخطاب السردي المغاربي رواية "مدينة الرياح" للكاتب الموريتاني موسى ولد إبنو "أنموذجا" أ: عبد اللطيف حني جامعة - مستغانم- بسط منهجي : يشكل الخطاب األدبي في العصر الحديث والرؤى المنهجية المشيرة إليه والمعاصر لهذا شغال إشكاليا وهاجسا مقلقا لجل الناقدين والدارسين ارحوا يخضعونه لعديد التصو ارت النظرية ومختلف المقاربات اإلج ارئية فتضخمت "فكان أن استقطب عديد المجاالت العالمات الدالة على سيرورته المفهومية ومنها المجال األدبي" )4( لقد اهتم أعالم الشعرية) poétique )La رومان جاكبسون Jakobson( -)Roman بماهيته األدبي وأدواته اإلج ارئية بموضوع التي فصلت والتي تجلت في مجموعة المفاهيم والدالالت والتخصصات التي شكلت األدبية- وعلى أرسهم ودرست الخطاب األدبي الخصائص المميزة للعمل ترتقي به بعيدا عن باقي النصوص غير األدبية التي أقرتها النظرية السيميائية لألدب وقد ضبط مقوماتها الشكالنيون الروس )2(. األدبي التفرد تشكل سمة األدبية المنطلق العام لألشكال األدبية التي تكسب الخطاب والتعالي والتسامي والخصوصية أيضا Genette( )Gérard "النظرية العامة لألشكال األدبية" )3( بخاصية الخلود و االرتقاء والخطاب والمتدثر في جلبابها وهي تمثل عند جي ارر جينيت التي تطبع العمل واكتساب الخصائص النوعية التي تحيطه بالجالل هو المسؤول عن كشف هذه الجماليات ألنه المتحلي األدبي والتأنق بها وهذا ما يؤكده تزيفتان تودوروف Todorov( (Tzevetan في 491

2 قوله: "ليس العمل األدبي في ذاته هو موضوع الشعرية إن ما الشعرية هو خصائص هذا الخطاب الذي هو الخطاب األدبي" )1(. كما مثل الخطاب قطبا مركزيا من أقطاب العمل الروائي تبحث عنه ما وعنص ار مهما من عناصره السردية فهو عند سعيد يقطين "الطريقة التي تقد م بها الماد ة الحكائية في الرواية. قد تكون المادة الحكائية واحدة كتابتها ونظمها" )1(. السردي لذلك جاءت هذه المعتمد على الحكي (Récit( الخطاب يوظف اللغة أو غيرها..." )6( لكن ما يتغير هو الخطاب في محاولته المداخلة المتواضعة لتكشف الرؤية الجمالية للخطاب الذي "يتحد د كتجل خطابي سواء كان هذا منطلقين من النص الروائي المغاربي وخاصة الموريتاني المتميز بطابعه الحكائي متخذين رواية "مدينة الرياح" للروائي الموريطاني موسى ولد إبنو الصادرة عن دار اآلداب بيروت سنة نموذجا. م 4996 كما ستجتهد المداخلة في د ارسة بنية الخطاب السردي المبني على الحكائية الذي ركز عليه حكي) Récit ) تزيفتان تودوروف Todorov( (Tzevetan.)Discours( يقوم على مكونين أساسين وفك رموز الخطاب السردي في الموريطاني موسى ولد إبنو كنموذج للرواية المغاربية الخطاب من خالل المفاعالت حتى يبين أن كل هما: القص ة (Histoire( والخطاب رواية "مدينة الرياح" للروائي وكشف جماليات هذا الثالثة للخطاب الروائي وهي: الزمن )TEMPS( الصيغة mode( )la والرواية معتمدة على العناصر التالية: 491

3 1- بوابة الخطاب) العنوان( بين الداللة والبالغة. يمثل العنوان العتبة األولى للنص فهو العلو الفوقي له إنه البوابة األولى التي يلج من خاللها المتلقي إلى عالم النص "كما يمثل واجهة عالمية تأخذ شكل )الجملة المفتاح( أدبية اللغوية يعرف ليتعرف على خباياه ويخبر أس ارره تمارس على القارئ سلطة وفكرية فهو يمثل تلك العتبة النصية التي يعمل القارئ على افتكاك بنيتها والداللية باعتبارها الجملة المفتاح للنص" )7(. يشكل العنوان القائد المسيطر الدال على النص إذ وبفضله يتداول للنص به يعرف البنية اللغوية ويشار به ويشتهر عند كل الق ارء األولى التي تصطدم الدخول إلى العوالم الخفية للنص هو "كاالسم ويدل عليه بجمل وسم كتابته" )8( للشيء به فهو كاالسم ويصبح موسوما منعوتا به ملخصا له بالقارئ فتخالطه واستكشاف حقائقها الفكرية القارئ اثر هذه الوضعية في مكانة الوسيط بين العنوان الحكي شتى عنها إن العنوان فاتحة الخطاب األول وعتبته األولى النصية إنه وتغريه فيحاول من خاللها والنص. واألدبية ويكون فهو يمثل ملفوظ ما قبل وما بعد الحكي األخير كونه عالمة سيميائية تنفتح على دالالت وايحاءات متعددة تبحر في عالم الفكر واألدب محمد مفتاح بالجملة المفتاح فيقول: "أول مفتاح النص كونه عالمة سيميوطيقية تضمن لنا تفكيك النص الذي يتوالد المحور ويتنامى ويعد إنتاج نفسه" )9( وقيمتها يعبر وألهميتها إج ارئي تفتتح به مغالق وضبط انسجامه فهو فالعنوان يتضمن عالمات دالة تغلب عليها الصورة اإليحائية فالبد على الباحث مساءلة العناوين دالالتها. يقول روالن بارت ( BARTHES R. السبب وكشف (: "إذا ق أرت ما تحت العنوان ستدرك وكلها ق ارءات على قدر كبير من األهمية في حياتنا إنها تتضمن قيما مجتمعة أخالقية و ايديولوجية كثيرة البد لإلحاطة بها من تفكير منظم. هذا التفكير هو ما ندعوه هنا على األقل سيميولوجيا" )41(. 496

4 داللية على هذا األساس فالعنوان مكون لغوي يعمل على انسجام النص وفق حقول وفكرية تتكاثر وتتوالد وتتناسل بشكل ال نهائي وغير محدود وفي المقابل تعمل على إعادة إنتاج دالالت النص وفق المحاور الفكرية المتاحة في نسقية العنوان ونستطيع القول "أن هذه النسقية الفكرية للعنوان تمنح إضاءة من نوع خاص للقارئ تضمن له تأويل النص وفق وظائفه اإليحائية المختلفة وفق مستويين أساسين هما: مستوى الق ارءة الظاهرة التي تحتمها ق ارءة المعجمية والتأويلية والتركيبية للنص" )44(. ومستوى الق ارءة المعنوية العميقة التي التي تكون المستويات تحتمها الق ارءة التفسيرية لعل القارئ عندما يقف على عنوان هذه الرواية التي تشكل نموذجا متكامال وجريئا من األدب الموريتاني حتى يلفت الدارسين انتباه الرياح" فقد جاء هذا العنوان مكونا الذي يسعى إلى االنفالت من التقليد إلى المبهر والناقدين إلى جماليات بنيته عنوان الرواية "مدينة من مقطع واحد تتألف بنيته من مسند )خبر( يتمثل في لفظ "مدينة" المضاف إلى "الرياح" أما المسند إليه )المبتدأ( فمحذوف لوضوحه وسهولة تقديره والتقدير مثال : هذه مدينة الرياح. فهذا يمثل تناقضا صارخا في حد ذاته فلقد جاء اسم نكرة معرف باإلضافة ينفتح على دالالت متعددة وكثيرة تم التعبير عنها منها ذلك الزمن الماضي المتجدد بإشا ارت لغوية ذلك المكان المتجدد وفكرية دالة عليه إشا ارت يستنبط القريب البعيد. إن عالقة تكوينية العنوان وفق هاتين الكلمتين يشكل تباينا في دالالتهما ذلك أن المدينة تمثل العم ارن طمأنينة والحضارة واالستق ارر في جميع الميادين وتكفل للناس العيش في وسالم رغم ما قد يوظفها بعض الدارسين في رمزية الضياع والغياب لكن هذا تحول األصل عن أن وما ال يجب والخوف يكون فموسى ولد إبنو قد ناشد من خالل الرواية تلك المدينة الضائعة في واقعه التي يتلمسها في وغفوات يقظته إنها األمل الذي يسعى و ارء أحالمه إد اركه من خالل هذا الملفوظ الذي 497

5 يحمل كما بالهالك التغيير اإلنسان من والمودة والرحمة إغواء الداللة والدمار إذا هبت أما ولا رمزية المكون الثاني للعنوان فهو الرياح التي توحي وفرض القوة بمنطق االستعالء فالروائي يعبر من خاللها على الظلم الذي يمارسه واالستعباد المفروض دون وجه حق فاإلنسان وحرية يتمنى الحركة اإلنسان اإلخاء ضد وسلطة أخيه والسالم وينبذ كل عدو لحرمة وقيمة الفرد سواء أكان حاكما أو مواطنا. هذا ما جعل عنوان الرواية القارئ الذي يود التعرف للفضول لمعرفة محتوى النص الروائي تؤهله لتلقي إيجابي أن كان غامضا نوعا ما النص يفك رموزه استف اززيا بدرجة كبيرة وملفتا لالنتباه على هذه المدينة المسماة بالرياح واكتشاف مضامينه الفكرية يعمل على فذلك مدعاة واألدبية التي وجمالي لداللة هذا العنوان ليصبح األصلح لنص الرواية بعد ويظهر في السابق أنه متمنع عن القارئ لكنه أتون في ويحل ألغازه فاالسم األول منه جاء نكرة مما استدعى تعريفه باسم ثان معرف يضمن انسجامه اللغوي يبحث عنه كل مغترب كل ضائع خائف مظلوم المدينة تمكث ومبعد هي االستق ارر وهي الحرية والداللي واألمان محاور فكرية تتميز بعمق فريد ثابت فالمدينة هي الموطن الذي واالطمئنان الذي يبحث عنه واالحت ارم الذي يناشده الضعفاء واإلنسان ففي والعبيد ال مناص يسعى إلى الهدوء والعيش بسالم وقد وردت في الخطاب القرآني في هذا المعنى لقوله تعالى: "اب ع ث وا أ ح د ك م ب و ر ق ك م ه ذ ه إ ل ى ال م د ين ة ف ل ي ن ظ ر أ ي ه ا أ ز ك ى ط ع ام ا ف ل ي أ ت ك م ب ر ز ق م ن ه أما كلمة الرياح المعرفة فإنها تأخذ في الذاكرة و ل ي ت ل ط ف و ال ي ش ع ر ن ب ك م أ ح د ا" )42( الشعبية شكل القوة والتغير والممانعة صوتها المخيف المدمدم الذي يوحي بالف ارغ والفوضى العارمة التي تحدثها من خالل والقهر الذات فيقال "تهب الرياح بما ال تشتهي السفن" )43(. إن خطاب العنوان "مدينة الرياح" يمثل ثابت ظاهر ملموس محسوس معروفة معالمه والبرد البالغة في والحرمان المخيم على الجمع بين شيء مستقر وآخر متحرك غير ثابت مجهول 498

6 حضوره تبحر الرواية بعالمها المتفرد الغريب فنلمس سمات واضحة من الخيال العلمي رواية الرحلة والرواية الغ ارئبية الرواية الفلسفية أدب ورواية األمثولة لكنها ال تنتظم وال تنتسب إلى أي شكل من األشكال الروائية المذكورة ألن الروائي موسى ولد إبنو أن استطاع مشكال في جنس متفرد في يسكب فيها كل األشكال فكان األحداث والشخصيات وغ اربة األمكنة لينسج رواية مليئة بالجماليات الخطابية. تتعاقب ال 2- زمن الخطاب السردي ووتيرته النسقية يستطيع خطابه السردي مزيجا والتقسيمات الزمن ونسقية يعد الزمن من العناصر األساسية لكل حكي فال يقوم بدونه ألن في ضوئه وتت ارتب مادة القص بمختلف أشكالها فهو بنية قائمة في العمل الروائي االنفالت منه كما يقول عبد المالك مرتاض ما أو شيء ما أو فعل ما أو يكون الزمن المادة المعنوية التي تشكل حركة كل الفلسفات أنه "يستحيل أن يفلت كائن تفكير ما أو حركة من تسلط الزمنية" )41( وتكون كل فتصبح مكونا من مكوناته األساسية لذا وجدت ومنه الزمن األدبي الذي يكون بنية النص الروائي مخالفا به الزمن الطبيعي األدبي وبناء هيكلها وتشكيل العالقات المتشابكة صدى لتطور عام" )46(. وكل فعل وخبر حياة وبذلك وكل نظ ارت خاصة للزمن في األدبي وهو زمن يصنعه "فهو ضروري في تصميم شخصيات العمل مادتها وأحداثها" )41( ويتحول في الرواية إلى زمن "فيتطور في حركته اللولبية في قف ازت وخطوط بيانية هي فهذا الزمن يستطيع التنقل بكل سهولة بين الماضي والمستقبل ألنه "يهدم الحائط بين الحلم والواقع فيتجاوز كثافة األرض الحقيقية طبقة طبقة ويبلغ مناطق نائية يصبح فيها العالم وهما وتزول األشياء واألماكن واألحقاب من وجهه مفسحة المجال أمام مخيلته إلعادة خلقها كما يشاء". )47( 499

7 المعاصرة على هذا األساس فالزمن هو موضوع الرواية وشخصية رئيسية في بفضل استعمال العودة إلى الماضي وقطع التسلسل الزمني "الرواية وباقي التقنيات الزمنية التي كانت لها مكانة مرموقة في تكوين السرد وبناء معماره" )48(. ويعود االهتمام بالزمن في الرواد في وضع بعض التعريفات له خاصة في األدب األعمال السردية إلى الشكالنيين الروس فهم وضبط رؤية جمالية له تندرج تحت نظرية مساءلتهم لعدد من النصوص السردية فنظروا إلى الزمن على أنه "مظهر من مظاهر االختبار يتيح إمكانية االنتقال من الخطاب إلى القصة" )49( وقد ميزوا بين زمن والخطاب في القصة إيطار تقسيمهم للعمل الروائي إلى متن ومبنى لكل ممي ازته الخاصة "فاألول ال بد له من زمن ومنطق ينظم األحداث التي يتضم نها أم ا الثاني فال يأبه لتلك الق ارئن الزمنية والمنطقية قدر اهتمامه بكيفية عرض األحداث وتقديمها للقارئ تبعا للنظام الذي ظهرت به في مصب اهتمامهم على تعدد زمن القصة على شريط زمن الخطاب. وقد استنشق العديد من الناقدين من عبير طريقة تفسيرهم للظاهرة الزمنية في السرد الروائي النظرية العمل" )21( أعمال الشكالنيين الروس وكان ومن و ارحوا يطبقون مقارباتهم وقد خطى طريقهم كل من روالن بارط Barthes( )Roland الذي تحدث عن الزمن السردي في كتابه "درجة الصفر في الكتابة" وضعه للتحليل البنيوي للسرد والذي ضم نه كتابه: "شعرية القصة" وفي سياق المدخل الذي Poétique du ( )récit حيث وضح "أن الزمنية synchronie( )la ليست سوى قسم بنيوي في الخطاب وأن الزمن ال يوجد إال في شكل نسق أو خطاب مستخلصا في النهاية أن الزمن السردي ليس سوى زمن داللي أما الزمن الحقيقي فهو وهم مرجعي واقعي حسب تعبير يقتبسه عن فالديمير بروب أما. )24( ")Vladimir Propp( وتزيفتان تودوروف Todorov( )Tzevetan فيرى أن "زمن الخطاب يعتبر بمعنى ما زمنا خطيا بينما زمن القصة متعد د األبعاد" )22( ثم ارح يبين العالقات 211

8 القائمة بين زمني القصة والخطاب النظام ومنه نفهم استحالة التوازن بين الزمنين الختالف والثاني أحادي( زمنية وحددها في ثالثة محاور أساسية هي: "محور طبيعتهما)األول متعد د ومحور المد ة التي قد تت سع أو قد تتقلص فينتج عن ذلك مفارقات ليس من الممكن دائما قياسها كالوقفة والحذف والمشهد. التواتر ويخ ص طريقة الحكي التي يختارها المؤلف لسرد قصته السرد المتكر ر-السرد المتواتر( )23(. كما نجد جي ارر جينيت Genette( (Gérard معالجته لزمن السرد الروائي. تمكننا من محور وأخي ار )السرد المنفرد- قد وظف هذه المحاور في إن هذه الجهود الثمينة في مقاربة الخطاب السردي إد ارك أوسع للعالقات الزمنية المحبوكة تسمح بالكشف عن العالمات الزمنية الدالة فيه. انطالقا من هذه "مدينة الرياح" الزمن داخل الخطاب الروائي كما الرؤية يمكننا الحديث عن زمن الخطاب السردي في رواية باالعتماد على حركتين للسرد الروائي من منظور تعامله مع وهما نسق الزمن السردي ووتيرته. 1-2 ال تستقيم نسق الزمن السردي: األحداث في رواية "مدينة زمن متضخم متصاعد يعكس خضوعها إلى نظام التعاقب الرياح" وفق ترتيب متوالي حكائي وفق ولكن األحداث تنتظم وفق نظام التداخل بين أنساق الزمن الثالثة: الماضي الحاضر المستقبل ذلك بسبب طغيان السرد االستذكاري analeptique( )Récit وتسلطه على أكبر حيز من السرد ويعود على الخطاب الروائي وضمور وجود السرد االستش ارفي ( récit.)proleptique التذكر ويظهر السرد االستذكاري ولكن ليس التذكر الكالسيكي المكرر القديم عبر وسيلة علمية وفكرة أحدث في الرواية من خالل توظيف الكاتب لتقنية ألن أوسع إنما ال رجوع إلى الو ارء إلى الزمن الرواية رحلة في الزمان والمكان 214

9 معا رحلة شخص وقع في أسر العبودية طفال فكره الظلم اإلنساني ثم كره الجنس البشرى نفسه وقد استطاع الكاتب أن يبني روايته بب ارعة لتعبر بنائيا عن فكرته األساسية فقسم الرواية إلى ثالثة أقسام رئيسية هي "برج السوداء" و"برج البيضاء" و"برج التبانة" وهذا التقسيم مواز لرحلة بطل الرواية في الزمان فالقسم األول يعبر عن الزمن الماضي عن العصور المظلمة عصور استعباد اإلنسان الصريح ألخيه اإلنسان والقسم الثاني عن عصر النهضة األوروبية حيث استطاع اإلنسان األبيض تطوير إمكاناته ليسيطر على بقية الجنس البشري والقسم األخير يشير إلى مستقبل البشرية حيث يتنبأ الكاتب بأن تصبح األرض مجرد سلة قمامة نووية كبيرة لبقية كواكب المجموعة الشمسية. كل قسم من هذه األقسام الثالثة يتكون من مقدمة وخمسة فصول وهي عبارة عن رحلة في المكان ينتقل خاللها البطل من مكان آلخر في نفس العصر وقد لعب الكاتب على اتجاهين مختلفين في تناول التاريخ أحدهما يرى أن التاريخ يعيد نفسه فنجد الشخصية الرئيسية في الرواية "قا ار" ينتقل من عصر لعصر ليجد أنه ال شيء تغير في طبيعة البشر وظلمهم لبعضهم البعض كما يستخدم الكاتب أسلوب الحلقة الروائية ليبدأ الرواية من نقطة وينتهي بها عند نفس النقطة كما يبدأ انتقال البطل من عصر لعصر بنفس الطريقة بل يعيد استخدام نفس الوصف في هذه الحالة والذي يستغرق حوالي صفحتين يكررهما الكاتب لتأكيد فكرته عن إعادة التاريخ نفسه وبالتالي عدم وجود األمل في شيء أفضل لكنه في الوقت نفسه يكتشف مع بطله أن اإلنسان يطور وسائل الشر بشكل ال يمكن أن يخطر ببال وهو هنا يستند إلى الفكرة القائلة إن التاريخ يسير في خط مستقيم إلى األمام وهذا السير إلى األمام ال يعني بالضرورة إلى األفضل بل غالبا وهنا يرى الكاتب أنه دائما- العكس. 212

10 على الحكي فالزمن الماضي المستعاد من قبل الذات الساردة يستحوذ بحضوره المهيمن الذي ينغلق عليه حيث يشك ل منطقه الذي يصدر عنه ومساره الذي يقوم عليه ومداه باعتبار أن هذه الذات الساردة نقلتنا إلى الماضي بشكل فني بارع ليس على غ ارر التذكر العادي بل على طريقة الخيال العلمي فزمن الحكي يتخطى الزمن العادي المعروف لدينا بل يتعدى إد اركنا ويفوق كل تخيل فالماضي عند موسى غير محدد موغل في القدم ليتقدم إلى المستقبل أيضا الموغل في التقدم المادة من ويغوص بنا في والسعي أعماق خيالنا ظلم البشر ليصف إلى التسلط على حساب سعادة الناس. واستحواذ وعبادة األنانية يعتمد السارد في كل روايته على السرد االستذكاري analeptique( )Récit أي هناك ذات قديمة موغلة في القدم بعثت من جديد لكي تقص علينا ما مرت به أحداث وشخصيات في حياتها وذلك في القسم األول "برج السوداء" غير السارد قدم في هذا القسم السرد االستش ارفي الذي تختزله فاتحة الرواية الموسومة "آقويدير" يعثر بعض الباحثين التي تجسد زمنا مستقبليا غير معروف تعدى زماننا سبعة أمتار في قمة جبل يجب استخ ارجها حفروا سبعة الجثة بارتباك من من معهد آثار الفكر اإلنساني وزمن الرواية أن ب حيث على جثة مدفونة على عمق "لم يبق لهذه الحملة سوى جثة واحدة في قمة الجبل أمتار لكي يصلوا إلى القبر. تلقف الباحثين أفضل وتلهف تدفعهم رغبتهم الجامحة في استكناه فكر هذا الكائن المنيعث العدم. إنه هنا مسجى في عزلة مثله مثل تل صقلته عوامل التعرية جمجمته مطوقة بتاج مسنن من الرمل البلوري ذي اللون النضاري الفاتح. كشف الفحص آثار البيوبلوري مادة الميلين على هيئة بلو ارت صلبة" )21( يخضعون جمجمة ثم الجثة لبعض االختبا ارت والتحاليل ويوصلونها بالحاسب اآللي لنبدأ ق ارءة أفكار ومشاعر هذه الجثة التي عاشت في الفترة من م!! "توضع البلو ارت في محلول عالي التركيز من حامض الديزوكسي ريبوزي )ADN( ثنائي التحلزن 213

11 من أجل كشف المعلومات المعهد الجزئية أخضعت البلو ارت للتحليل وفك رموزها لتحول إلى جمل مكتوبة. الفيزيائي ولقنت هذه النسخ للحاسوب لفك أبجديتها الموالية بدأ النص يظهر على الشاشة.. " )21( للتذكر إلى السرد" )26(. في الصفحة مختبر في الكيميائي من أجل ق ارءة النسخ وتحديد معانيها في اللحظة وهو رجوع إلى الزمن الماضي "أحداث تخرج عن حاضر النص لترتبط بفترة سابقة عن بداية 7 و 8 االستش ارفي proleptique(.)récit والسطور الثالثة األخيرة من الرواية بحيث يظهر بجالء السرد نجد صوت ال اروي العليم الذي يتحدث عن كيفية العثور على الجثة وتوصيل الجمجمة بالحاسب اآللي ثم كيف أصبحت كل حياة "قا ار" شريطا محفوظا في المكتبة العمومية بمعهد أركيولوجيا الفكر البشرى وهي نهاية الرواية "أخذ الشريط مكانه من خانة الحفظ في المكتبة العمومية بمعهد أركيولوجيا الفكر البشري تحت عنوان: سكرة رجل من البرزخ م " )27(. االستش ارف فقد مثلت هذه الرؤيا العجيبة نوعا من االستباق الزمني جعل من هذا على زمان قادم توطئة "ألحداث الحقة يجري اإلعداد لسردها من طرف ال اروي فتكون غايتها في هذه الحالة هي حمل القارئ على تو قع حادث ما أو التكهن بمستقبل إحدى الشخصيات" )28(. السرد االستش ارفي "االستش ارف الخارجي" )29( ويسمي جي ارر جينيت هذا النوع من والذي يبقى "الغرض منه التط لع إلى متوقع أو محتمل الحدوث في العالم المحكي" )31(. ما هو إن نسق الزمن السردي الذي هيمن عليه السرد االستذكاري مقابل ضمور السرد االستش ارفي يوضح مدى عمق المفارقة بين زمن الخطاب الذي يبقى مقترنا بالحاضر وزمن القصة المستعاد مم ا جعل نظام السرد تتابع زمني حاضر متقدم ثم ماضي موغل في القدم ثم حاضر متقدم : ينبني ينتظم وقف 211

12 حاضر ماضي حاضر نظام سردي أضفي تنويعا على الخطاب الروائي وان تفاوتت المساحة بينهم حيث شغل السرد االستذكاري analeptique( ) Récit أكبر مساحة. والبطء وتتلخص 2-2 وتيرة الزمن السردي: تتخذ الوتيرة الزمنية في الرواية لعرض أحداثها مظهرين هذه أساسين: السرعة وهي ما يسميها جي ارر جينيت باألشكال األساسية للحركة السردية األشكال في التقنيات السردية المتمثلة "الخالصة résumé( )le والحذف أو اإلسقاط )l ellipse( في حال تسريع السرد حيث يضمر الخطاب مقابل امتداد القصة والمشهد )scéne( والوقفة الوصفية في حال تعطيل السرد حيث تضمر القصة ويتس ع الخطاب" )34(. يظهر السرد التلخيصي sommaire( )récit تتخلف من السرد ومعطيات حول ويرتبط بالسرد االستذكاري الشخصية المفاعلة وماضيها في الكثير من الف ارغات التي ويتقاطع معه لما يقدمه من إضاءات وما يبني عليه من أحداث وذلك بشكل محصور ومركز ونمثل له من الفصل الثاني "موسى آسبع" من الجزء األول برج السوداء: "السالم عليكم... نطقها المصلون بصوت واحد. يعيدون تنظيم الجمال. ثقيل." )32(. وسارت القافلة إلى وتفرق الرجال... منتصف النهار... الح اررة شديدة والقيظ أما تقنية الحذف "فتؤشر على الثغ ارت الواقعة في التسلسل الزمن. ويتمي ز بإسقاط مرحلة كاملة من زمن القصة ولذلك فهو يعتبر مجر د تسريع للسرد" )33( ويظهر بشكل متواتر شأن السرد التلخيصي يتداخل توزيعها فنجده كلما يطلع علينا في متون السرد الطبل من الجزء الثاني برج البيضاء: "أربعون يوما خلوتي على بدأت أرس الكدية أمضيت مع أولها أصوم النهار األحداث ونعطي مثاال لذلك ويشرف على من فصل أربعون ليلة مضت منذ أن وأفطر على قطرة من 211

13 وأبلل سفة ماء قربتي... من طحين ازدي...وأصلي!." بغانا "أقمنا وقوله: )31( ثالثة أستبيع تعهدونا خاللها برعاية جيدة... إنكم تحضرون وتهيأون للعرض في أسواق أوداقوست قالها يوما أحدهم بدا مطلعا. في يوم من األيام أخرجونا الحظيرة فوجدنا القافلة جاهزة لالنطالق. وتكون الحركة السردية بطيئة الستخدام الروائي scénique( )récit والوقفة الوصفية فالتقنية )31( و أرجعوني إلى حبلي وجملي..." األولى التي تفتح مجاال واسعا أما الشخصيات لكي تتبادل الحوار النفسية واالجتماعية وتشكيلها على جميع المناحي: "-جدتي!... جدتي /-أجابت الكاهنة بحركة من يدها.../- من لتقنيتي السرد المشهدي تعوض السرد المشاهد الحوارية وفيه تظهر كل أبعادها!... ما هي الحكاية لماذا ال تقرئين كف صديقتي يظهر لي يابنتي أن اآللهة سقطوا على رؤوسهم أو لعلهم سئموا أسئلتي فقرروا أن يصيبوني بالجنون... لم تأخذي الوقت الكافي لرؤية كف ( قا ار(... ذلك ظهر لي دفعة واحدة في لمح البصر... حياتي عم ار بهذا الطول وهذا الشقاء!" / )36( أنت /-جدتي! /-لم أكن في حاجة لوقت...كل -إيه -هذا غريب! أما الوقفات الوصفية فهي كثيرة في الرواية تعتمد على االستط ارد مع زمن الرواية "سلمني سيدي )ازباغره( إلى زعيم خولي قافلة...أشار لم ار في وتتعالق أعور يخيل إليك أنه ربان إلى أن اتبعه عبر بهو يمثل مم ار فاصال بين جناح السادة الدخول في الخلف..فيها الم ارحيض والمطابخ غير المسقوفة.. يتصببن عرقان يتنقلن باستم ارر بين القدور المنصوبة كل واحدة على ومق ارت كان ثمة إماء ثالث أثافي..تركني الربان في المطبخ و عاد بعد لحظات يحمل كومة من الثياب الوسخة رماني بها )37( وأشار إلى ربوة من الرماد األبيض ثم سطالت في أحد المطبخ" جوانب 216

14 إن السرد المشهدي scénique( )récit والوقفة الوصفية هما بمثابة االستط ارد والتوسع المضطلع لزمن الخطاب "على حساب زمن القصة. األولى بسبب أن ك ل منظر يمكن أن يصبح لديها مناسبة لتشغيل األنساق الوصفية وبالتالي إعاقة زمن القصة على االستم ارر والثاني ألن ه يمد د األحداث ويجعلها تتباطأ في سيرها ضدا على حركة السرد ومناهضة لوتيرته المتسارعة" من خالل بسطنا )38( لجماليات بنية زمن الخطاب السردي في الرواية "مدينة الرياح" كشفنا اعتمادها على تقنيتين من السرد حركة السرد الداخلية هما االستذكار المهيمن واالستش ارف المحصور في بداية الرواية على و آخرها فقط وكالهما يلعب دو ار بار از في بناء الرواية باعتبار تأثيرهما المباشر والمهم في وتيرة السرد في سرعة نسقها كما في بطئه. لقد استثمر الروائي موسى ولد إبنو جميع هذه التقنيات السردية التي طبعت البنية الزمنية لخطاب روايته وفق رؤية وتشكيل يعكسان امتالكه وعيا عميقا بشروط الكتابة الروائية وأدواتها الزمن وأهميته في خطاب الرواية. 3- صيغة الخطاب وتعدد األنساق: تعتبر الصيغة mode( )la من العناصر األساسية للخطاب التي بواسطتها يقد م لنا ال اروي القصة" )39( دور في تشكيل األنساق البنائية للخطاب الروائي الذي يقوم على نمطين أساسيين هما: السرد )représentation المرتبطين بالقصة تتعدد الصيغة وعي بفاعلية لكونها "الطريقة على حد تعبير تودوروف لما لها من وفي الكشف عن أنماط الخطاب la narration( )la والعرض ( والخطاب والسارد والشخصية الروائية. الخطابية في رواية مدينة الرياح لذلك سنحاول تحليل خصائص كل خطاب. وتتجلى هذه الصيغ وبالتالي تعدد خطاباته أشكال ثالثة في وهي: الخطاب المسرود narratif( )Discours والخطاب المعروض Discours( )rapporté الخطاب المنقول. 217

15 ( فأما الخطاب المسرود فهو "الخطاب الذي يرسله المتكل م وهو على مسافة مم ا يقول ويتحد ث إلى مروي له سواء كان هذا المتلقي مباش ار )شخصية( أو إلى المروي له في الخطاب الروائي بكامله" )11 إذ يمثل حي از كبي ار من خطابها السردي في ويظهر نمطين هما: الخطاب المسرود الذاتي والخطاب المسرود غير المباشر. فاألول يتجل ى: "عندما يتحد ث المتكلم عن ذاته واليها عن أشياء تمت في الماضي أي أن هناك مسافة بينه وبين ما يتح دث عنه." )14( ونمثل لهذا الخطاب من الرواية في فاتحتها )الذهب( "أرى العالم كله عدسة ناظور كله اآلن بديهيات. لم تعد ثمة ألغاز وال أس ارر.. كله على مستوى واحد من الوضوح. الزمن اختزل نفسه في بعد واحد لم يعد ثمة ماض.. كانت ليلة ليالء... أريتني أتقلب على ف ارشي الحشيشي المبلل أنصب ش اركي للنوم فيفر منها العرق يتصبب مني بغ ازرة... تهاجمني جيوش البعوض من كل اتجاه.. وكتائب األفكار المرعبة تحاصرني بال رحمة.." )12(. يشد صيغة الخطاب المسرود متن الرواية فتقوم بتأطير حكيها وضبطه إذ يداخله كثير من العالمات المبثوثة داخل المتن الحكائي مما يؤكد لنا تعالقات وتقاطعات بين "قا ار" الشخصية الروائية والذات الكاتبة. غير أن هذا الخطاب المسرود الذاتي يتداخل مع آخر مسرود غير مباشر تعمد الذات الساردة إلى صياغته باستخدام ضمير الغائب. ويظهر في هذا المقطع: "كنا قد جهزنا الجمال استعدادا للرحيل. عندما طلع علينا شيخ القرية يتبعه جيش من حملة السيوف والنبال أحاطوا بالقافلة من جميع الجهات..." )13(. أم ا صيغة الخطاب المعروض فقوامها ثالثة أنماط من الخطاب. أولها صيغة الخطاب المعروض المباشر "وهي التي نجد فيها المتكل م يتكل م مباشرة إلى متلق مباشر ويتبادالن الكالم بينهما دون تدخل ال اروي" )11( الخطاب في المقطع التالي: ويظهر هذا النمط من 218

16 - هل وشى بنا أحد /-وشى بكم أحد العبيد الذين لم يحصلوا على أكثرية. - ما عاد يهمني نفسي من العبودية حلمك هذا في يوم ما.. الصح ارء أن أفهم شيئا عما جرى.. ما يهمني اآلن هو أن أنقذ وأن أعيش في زمن آخر يكون البشر فيه أفضل./ وأنتظر أمر ربك. القزم الكبير الهامة الذي يكلمني..." والصيغة الثانية إذا كنت ترفض القدر فاهرب من البشر أشحت ببصري عن السماء - )11( قد يتحقق إلى وألجأ وأخذت أحدق في هذا هي فصيغة الخطاب المعروض غير المباشر. وهي "أقل مباشرة من المعروض المباشر ألننا نجد فيه مصاحبات الخطاب المعروض )Para-discours( التي تظهر لنا من خالل تدخ الت ال اروي قبل العرض أو من خالله أو بعده يؤشر للملتقي غير المباشر" )16( التيه في هذا المحيط لم وفيه نجد المتكل م يتحد ث إلى آخر وال اروي من خالل تدخالته أعد ويظهر أعرف من في المقطع األتي "فقد هويتي من طول أنا هل أنا الشاب القنقاوي الوثني الذي كان يعيش بسعادة أم أنا العبد المسلم ال يدري إلى أين أم األرضي... قد ال أكون..." ونجد في األخير الخطاب المسرود الذاتي )17( صيغة الخطاب المعروض الذاتي. وهي ذلك الكائن أنا "نظير صيغة إال أن هناك فروقات بينهما تتم على صعيد الزمن. فإذا كن ا في المسرود الذاتي أمام متكل م يحاور ذاته عن أشياء تمت في الماضي هنا نجده يتحد ث إلى ذاته عن فعل يعيشه وقت إنجاز الكالم" المقطع "لكن إ اردتي لم يزعزعها ال الحر الشديد في النهار وال الجوع بالليل البشر انفرد في الصح ارء )18( وال فإنن ا ونمثل له بهذا الزمهرير القارس وال العطش كنت كلما أحسست وسواسا سمعت صوت: اعتزل وانتظر أمر اهلل" )19(. ويظهر النمط الثالث من صيغة الحطاب السردي الذي تجلى في الرواية بصيغتين وهو الخطاب المنقول "تتداخالن وصيغ الخطابات السابقة المسرودة 219

17 منها والمعروضة على حد السواء. وهما: صيغة الخطاب المنقول المباشر وصيغة الخطاب المنقول غير المباشر. ففي األولى يختلط سرد ال اروي بسرد الشخصية ألن المتكل م ال يقوم فقط بإخبار متلقيه بشيء عن طريق السرد أو العرض ولكن ه أيضا ينقل كالم غيره سرد ا أو عرض ا عن متكل م أو ل" )11( ونمثل له: "قال ومن خالل هذا النمط نصبح أمام متكل م اسمي أنا خضير... ملك هذا الزمن ينقل ثان وأية اهلل التي كنت تنتظر... أنت ثائر على سنة البشر.. لكنك لن تستطيع التخلص من بشريتك..." )14(. أنماطها بعد مقاربتنا لبنية صيغة الخطاب في رواية مدينة الرياح كشفنا عن تعدد وخطاباتها التي ت اروحت بين المسرود والمعروض والمنقول غير أننا الحظنا هيمنة صيغة الخطاب المسرود التي عملت على ث ارء الخطاب السردي وتحديد نوعيته وما تضمنه من خصائص جمالية على صعيد البنية الحكائية. 4- صيغة الخطاب بين الخطاب الروائي والخطاب السير ذاتي: يتواصل الخطاب الروائي لنص مدينة الرياح مع عديد من الخطابات فيشكل شبكة من الخطابات فالتاريخ الذي يحيلنا إلى زمن الذات الساردة المستعاد الذي يشير إلى فترة االستعمار األجنبي ووصفه للعبودية الصريحة ثم استعباد الحكام المحليين لبالدهم فإنه اضطر أن يصف الوجه اآلخر من الصورة وهو التمرد والثورة وحتى إن لم تكتمل تلك الثورة وتؤتي ثمارها فالعبيد حاولوا التحرر والثوار حاولوا أنصار القضاء على المستعمر وينتقل إلى زمن متقدم حيث يتحدث عن البيئة يحاولون مقاومة زرع م اركز النفايات النووية في بالدهم فالظلم مستمر وقوي وجبار لكن الثورة مستمرة أيضا مهما تكن وسائلها ضعيفة وأنصارها قلة وهذا ما يمنح شعاعا من األمل في ليل اليأس الطويل من البشرية التي ال يرجو الكاتب منها خي ار. 241

18 أن ويبدو الخطاب السير ذاتي مهيمن وذلك من خالل العالقات القائمة بين الرواية العالمات المبثوثة في الرواية والذات الكاتبة الوطن المنشود فاالنتماء إلى بلد صح اروي والجذر واالنتماء القافلة القرية أشعة الشمس المحرقة التي يعاني منها الكاتب هيكلتها ضد القهر وتأهيلها بالتصوف والظلم والعدوان. في تداخله مع الخطاب الروائي والخطابات المذكورة سابقا لكثرة والمؤكدة على العالقة بين شخصية إلى بلد بتضاريسه الوعرة إفريقي ومحاولة استعادة حريته والتعبد ويتجلى توظيف الكاتب لعدد كبير من مدا ارت حكي روايته ورماله الروائية "قا ار" وصخوره يمثل من خالل عالمات الجمال يشكل استعباد قا ار حالة الضياع نفسه في بالتأمل وذلك واالنقطاع عن العالم للعودة من جديد مكونات سيرته الذاتية في إعادة صياغته لم ارحل مختلفة من مأخوذ من طفولته حيث يعرض المأساة التي عاشها التي أرهقت كاهل حياته تفاصيلها في الخطاب الروائي وأسماء ألماكن ومناطق التحضر المفروض. في ظل االستعمار وبعضها صور عن بيئته التي خبرها واالغت ارب التي واعادة والثورة شكل ت التاريخ فبعضها والعبودية وقد أعطانا كل بل كان يوظف العديد من األلفاظ الخاصة ببيئته ومسميات في موريتانيا وهي سمات للقرية وعدم والبدائية 244

19 ق" جانب 5- الرؤية السردية وتعد د األصوات: إن الرؤية السردية/أو وجهه النظر( vue (point de الزمن والصيغة في فالنقد الروائي ينظر للرؤية تأليف أنساق الخطاب السردي تساهم بشكل فعال إ ىل وبلورة جماليات بنيته. في تلك "العالقة بين المؤل ف وال اروي وموضوع الرواية" )12( وهي العالقة التي تربط السارد/ وصوته محور الرواية فبدونه ال تتحقق الرواية كما بدونه "سيبقى الخطاب السردي في "حالة احتمال" مادمنا ال نستطيع تصو ر حكاية بدون سارد" )13(. يتعالقان ولن يتحو ل لحقيقة تتشكل البنية السردية لرواية مدينة الرياح من نمطين من الرؤية السردية ويتداخالن ضمن أنساق الخطاب أولهما الرؤية من الخلف ويضطلع بها ارو كالسيكي خبير يعكس تملص الكاتب من شخصيته "ليس من أجل رؤيتها من الخارج رؤية حركاتها واالستمتاع إلى أقوالها موضوعية ومباشرة لحياة شخصياته النفسية" )11(. ويص وغ حكيه بضمير األنا سارد غير عادي ألنه سارد عليم ولكن من أجل أن نعتبر رؤيته ال اروي األساسي في الرواية هو "قا ار" وهو في أن غير الذي استخدمه الكاتب ليكتب رواية قصيرة داخل الرواية سارد آخر هو "فوستباستر" الرواية األساسية التي يحكيها ا ار" ليلقي الضوء على حياة "فاله" التي شاركت "قا ار" جميع سف ارته عبر الزمان بنفس االسم وان كانت بأشكال مختلفة. المخاطب لكنه في األغلب يستخدم السارد ضمير فهو يسرد وقائع حياته وأفكاره ومشاعره وتنقالته عبر المكان والزمان لكنه في الوقت نفسه ميت والحاسوب هو الذي يق أر كل ذلك من خالل ذاكرة جمجمته وهذا السارد أعطى الكاتب فرصة جيدة للتغلغل في أفكار "قا ار" ومشاعره ليصفها ويحدد منابعها وأسبابها ويحللها اربطا إياها بصيرورة تاريخ الجنس البشري الذي لم يكن أكثر من تطور أساليب الشر. 242

20 أما الشخصية المركزية الرؤية الثانية التي تسيطر على الخطاب السردي وسميت كذلك "ليس ألن ها ترى في المركز وهي تمثل نفس رؤية من خاللها نرى الشخصيات األخرى ومعها نعيش األحداث المروية" )11(. ولكن فقط ألن نا تعرض شخصية قا ار المركزية العالم الذي رسمه الكاتب فهي تشكل الرؤية التي تصوغها شخصيته المركزية وتأخذ بعدا ذاتيا وذلك باعتبار أن شخصية كريم تمثل البؤرة السردية األساسية من بداية الحطاب إلى نهايته مما يعلل لدينا الحكي الداخلي الذي تتولى شخصية قا ار نظمه "أنا" مثل قوله "جلست متثاقال.. قدحا ثقيال بين يدي" )16(. وأنا أدلك عيني المتكاسلتين. كما يستخدم الكاتب ضمير المتكل م الجمع: األنا/واآلخر الذاتي/والجماعي يقول: هيمنة باستخدامها ضمير المتكل م المفرد "نحن" "نبقى نحن العبيد الجدد في عذابنا السرمدي. حولنا خالبة السماء زرقاء عميقة صافية شديدة البعد العيون نظيفة إال من بقايا قزع صغيرة شاهقة العلو كأنها عوامات كلما تقدمنا سيرنا شماال كلما اتضحت معالم دار حجرية" )17(. وكذلك توظيفه ضمير المخاطب تشكيله في "أنت" يضع أبي أحسست ليؤك د على تفاعل وتبقى الطبيعة من تستحم في زرقتها البحرية بعيدة المنال... لمقاطع الحوار الداخلي مما يعطي البعد الذاتي للخطاب السردي/عام ة والرؤية السردية خاص ة ويظهر في حديثه مع نفسه في األحالم اخترت استكشاف المستقبل ومع شخصيات وأنا يتمثلها أخرى سمحت لك باستكشاف فترتين ألنك قلت إنك ارغب في مغادرة فترة أودافوست" )18(. وقد شكلت هاتان الرؤيتان السرديتان: الخطاب السردي: خارجي لألولى وداخلي للثانية "من الخلف" يتحاو ارن وذلك في قوله "إذن لهذا وحسب اختيارك و"مع" ويتعانقان نوعين من ويتداخالن ألن الشخصية المركزية التي تقوم بفعل الكتابة تعرض لجوانب مهمة من شخصيتها 243

21 وحياتها في الرؤية ومعاناتها وذلك بالتركيز على ذاتها واألصوات السردية الحكي في جعله الخطاب السردي للرواية جماليات غير متناهية. وأخي ار نلخص الموريتاني موسى العلمي شبيه بقصة الزمن االستذكاري ومحيطها وعالمها يقدم لنا من الداخل جماليات الخطاب السردي لرواية مدينة الرياح ولد إبنو في تجلي الرواية بثوب حداثي موغل في ولقد خدم هذا التعدد بنية أشبع لقد للكاتب المغاربي الخيال أدب "أليس في بالد العجائب" تعد د األزمنة وتداخل أنساقها هيمنة بسبب اشتغال الكاتب على فعل التذك ر الماضي تعالق الميثاقين الروائي/التخييلي والسيرذاتي/المرجعي واستحضار السرد من تشكيل عوالم الحكي تنوع الخطابات حيث يتقاطع فيها الذاتي والموضوعي والتاريخي خطاب الرواية المتخي ل والمرجعي وجعلته ازخ ار بالجمالية الواقعي والعجائبي والداللية ثالثة أنماط من الصيغة هي: الخطاب المسرود المنقول الديني والصوفي وتبدت انكشفت وقد والخطاب المعروض إضافة إلى الخطاب المسرود الذاتي النبعاث األحداث من الذاكرة على محور الذات الساردة كما شكل التداخل للرؤية الرواية. وتفاعلهما في الروائي خطابات أثرت وظهرت في والخطاب والتركيز السردية ملمحا جماليا في الهوامش: 4- سعيد يقطين تحليل الخطاب الروائي المركز الثقافي العربي الدار البيضاء 4989 ص سعيد علوش معجم المصطلحات األدبية سوشبريس الدار البيضاء ط ص -3 جي ارر جينت خطاب الحكاية. المعاصرة دار الكتاب اللبناني بيروت بحث في المنهج ترجمة: محمد معتصم وعبد الجليل األزدي وعمر حلي المشروع القومي للترجمة القاهرة ط ص Tzevetan Todorov : Poétique, ed. Seuil, Paris, Points, 1973, p.p

22 1- سعيد يقطين تحليل الخطاب الروائي ص المرجع نفسه ص ص 7- نور الدين صد وق البداية في النص الروائي دار الحوار الالذقية ط روبرت شولز سيمياء النص الشعري - اللغة والخطاب األدبي- ترجمة واختيار الغانمي المركز الثقافي العربي الدار البيضاء المغرب ط ص 419. سعيد 9- محمد مفتاح دينامية النص المركز الثقافي العربي الدار البيضاء المغرب ط ص روالن بارث المغامرة السيميولوجية ترجمة عبد الرحيم حزل مركش ط عبد الرحيم الكردي السرد في الرواية العربية المعاصرة دار الثقافة القاهرة ص 12. ص 42- سورة الكهف اآلية 49. ص 43- الميداني مجمع األمثال دار الهالل بيروت ج 4 ص 66. ط عبد الملك مرتاض بنية الخطاب الشعري - د ارسة سيميائية تفكيكية- ديوان المطبوعات الجامعية 4992 ص سعيد يقطين تحليل الخطاب الروائي ص أحمد الزعبي في اإليقاع الروائي نحو منهج جديد في د ارسة البنية الروائية دار األمل عم ان ص 47- سمير الحاج شاهين لحظة األبدية المؤسسة العربية للد ارسات بيروت آالن روب غربية: نحو رواية جديدة العربي بيروت الدار البيضاء 4993 ص 12. Todorov Tzevetan, Poétique, p الشكالنيون الروس نظرية المنهج الشكلي ترجمة: مصطفى إب ارهيم مصطفى ترجمة إب ارهيم الخطيب العربية بيروت والشركة المغربية للناشرين المتحدين الرباط ط ص المركز الثقافي مؤسسة األبحاث ص 4991 حسن بح اروي 444. بنية الشكل الروائي المركز الثقافي العربي بيروت الدار البيضاء 22 -Todorov Tzevetan, Poétique, p 13

23 23- المرجع نفسه ص موسى ولد إبنو مدينة الرياح دار اآلداب بيروت ط ص المصدر نفسه ص حسن بح اروي بنية الشكل الروائي ص موسى ولد إبنو مدينة الرياح ص حسن بح اروي بنية الشكل الروائي ص عبد العالي بوطيب مفهوم الرؤية السردية في الخطاب الروائي مجلة فصول خاص- زمن الرواية- المجلد 2 العدد ال اربع شتاء 4993 ص. 472 عدد 31- حسن بح اروي بنية الشكل الروائي ص جي ارر جينت خطاب الحكاية. بحث في المنهج ص موسى ولد إبنو مدينة الرياح ص حسن بح اروي بنية الشكل الروائي ص موسى ولد إبنو مدينة الرياح ص المصدر نفسه ص المصدر نفسه ص المصدر نفسه ص حسن بح اروي بنية الشكل الروائي ص المرجع نفسه ص سعيد يقطين تحليل الخطاب الروائي ص المرجع نفسه ص موسى ولد إبنو مدينة الرياح ص المصدر نفسه ص سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي.. ص موسى ولد إبنو مدينة الرياح ص سعيد يقطين تحليل الخطاب الروائي ص موسى ولد إبنو مدينة الرياح ص سعيد يقطين تحليل الخطاب الروائي ص

24 19- موسى ولد إبنو مدينة الرياح ص سعيد يقطين تحليل الخطاب الروائي ص موسى ولد إبنو مدينة الرياح ص سعيد يقطين تحليل الخطاب الروائي ص عبد الحميد عقار وضع السارد في الرواية بالمغرب مجلة د ارسات أدبية ولسانية األول 4981 ص 21. العدد 11- سعيد يقطين تحليل الخطاب الروائي ص عبد العالي بوطيب مفهوم الرؤية السردية في الخطاب الروائي ص موسى ولد إبنو مدينة الرياح ص المرجع نفسه ص المرجع نفسه ص